
الجزء الأول: النظارة الغامضة
في صباح يوم مشرق، بينما كانت الشمس تلامس وجه الأرض بلطف، كان سعيد يتجول في زقاق ضيق من أزقة المدينة القديمة، حيث تقام كل أسبوع سوق للأغراض العتيقة. شدّ انتباهه كشك صغير مليء بالأشياء الغريبة: ساعات خشبية، مرايا مشروخة، دُمى مكسورة، و... نظارة ذات إطار نحاسي لامع، تبدو وكأنها خرجت لتوّها من قصة خيالية.
اقترب منها سعيد، فابتسم له البائع العجوز ذو اللحية البيضاء والعينين اللامعتين، وقال بصوت كأنه همس:
"هذه النظارة ليست عادية... إنها ترى ما لا يُرى!"
ضحك سعيد ظنًا أنه يحاول إغرائه بالشراء، فقال مازحًا:
"يعني ستريني كائنات فضائية؟"
رد العجوز: "جربها... ولن تنظر للعالم بنفس الطريقة مرة أخرى."
وبشيء من الفضول، دفع سعيد بعض النقود وأخذ النظارة دون أن يدري أن مغامرة كبيرة قد بدأت.
الجزء الثاني: المفاجأة الأولى
بعد أن عاد سعيد إلى بيته، لم يستطع مقاومة فضوله أكثر. جلس على طرف سريره، وأمسك بالنظارة النحاسية الغريبة، وتأملها عن قرب. كانت عدساتها تعكس ضوءًا باهتًا كأنها تتنفس... أو كأنها تنتظره ليجربها!
تنفس بعمق، ثم ارتداها بحذر...
في اللحظة الأولى، لم يرَ شيئًا مختلفًا. لكنه عندما نظر نحو نافذته، رأى شيئًا عجيبًا:
القطة التي تجلس كل يوم على سور المنزل كانت تتكلم!
قالت له بصوت ناعم:
"مرحبًا سعيد... الجو رائع اليوم، لكن ينقصني سمكة مشوية!"
شهق سعيد وقفز من مكانه:
"مـ...ماذا؟! قطة تتكلم؟!"
أزاح النظارة، فعادت القطة تنظر إليه بعينيها اللامعتين، تلعق مخالبها بصمت.
أعاد لبس النظارة... وإذا بها تقول:
"هل تحب السردين مثلي؟ لدي وصفة سرية!"
ارتبك سعيد وأغلق النافذة سريعًا، ثم ضحك وهو يقول لنفسه:
"يا إلهي! أأنا نائم؟ أم أنني أعيش في كرتون مجنون؟"
قرر أن يجرّب النظارة على شيء آخر، فخرج إلى الشارع، ووقف أمام دكان البقال. ارتدى النظارة مرة أخرى... وإذا بالبقال يتحول إلى مهرج ضخم يقفز فوق صناديق الطماطم وهو يغني:
"من يشتري سكرًا... يحصل على زرافة مجانية!"
ضحك سعيد بشدة حتى كاد يقع أرضًا، لكن البقال الحقيقي كان ينظر إليه باستغراب:
"ما بك تضحك هكذا؟ هل جننت؟"
رد عليه سعيد: "لا شيء... فقط تذكرت نكتة!"
وعندما التقى بصديقه حسن، ارتدى النظارة، فرآه بشعر أخضر كثيف يشبه العشب، وطيور صغيرة تحط على رأسه!
ضحك سعيد وقال له:
"يا حسن، أظنك تحتاج إلى جزازة عشب بدل المشط!"
استغرب حسن وقال: "ما الذي تقوله؟ عن أي عشب تتحدث؟"
ضحك سعيد أكثر، وبدأ يشعر أن هذه النظارة ليست فقط غريبة... بل ممتعة جدًا!
وفي المساء، وبينما كان سعيد يتمشى في الحي، ارتدى النظارة مرة أخرى، فإذا به يرى الأشجار وهي تتمايل كأنها ترقص، وعمود الإنارة يضيء ويطفئ كأنه يومض له بابتسامة.
كان عالم النظارة مثل حلم، لا يخضع لأي منطق، لكنه مليء بالمفاجآت والضحك والدهشة.
وقف سعيد أمام مرآة في الشارع، لبس النظارة، وإذا بانعكاسه يرتدي معطفًا طويلاً وقبعة عالية، وبيده عصا سحرية!
قال لنفسه:
"سعيد... يبدو أنك أصبحت ساحر الحارة الجديد!"
ضحك، ثم همس:
"هذه النظارة ستقلب حياتي رأسًا على عقب..."
الجزء الثالث: المدرسة والفوضى
في صباح اليوم التالي، استيقظ سعيد وهو يشعر بالحماس أكثر من أي يوم دراسي مضى. لم يكن يتطلع لحصة الرياضيات أو الجغرافيا، بل كان يتطلع لتجربة نظارته السحرية وسط زملائه في المدرسة!
أخفاها في حقيبته بين الكتب، وجلس في مقعده كالعادة، لكنه كان يحدّق في المعلم بطريقة غريبة.
همس له حسن:
"ما بك؟ لماذا تبتسم هكذا؟"
أجابه سعيد: "فقط انتظر... العرض سيبدأ حالًا."
أخرج النظارة بسرية، ووضعها على عينيه... وفي لحظة، اختفى المعلم الجاد، وحلّ مكانه مهرج ضخم يرتدي بذلة حمراء منقطة ويقفز على الطاولة بعصا سحرية في يده!
المهرج ـ أو المعلم في نسخة النظارة ـ كان يقول بصوت مضحك:
"أ ب ت... سحر وهسترة... والواجب عليكم أن تكتبوا قصيدة عن البطاطا الطائرة!"
انفجر سعيد ضاحكًا حتى دمعت عيناه.
لكن في الواقع، المعلم الحقيقي كان ينظر إليه مستاءً.
قال بصرامة:
"سعيد! ما المضحك في درس الأفعال الناقصة؟"
حاول سعيد أن يتماسك وقال:
"آسف يا أستاذ... فقط تذكرت موقفًا طريفًا!"
ضحك زملاؤه قليلًا، لكن المعلم لم يقتنع.
ثم نظر سعيد إلى السبورة، وإذا بها تتحول إلى شاشة عرض سينمائي، تظهر عليها كلمات ترقص وتغني:
"الفعل الماضي كان حزينًا، أما المضارع... فيرقص طربًا!"
لم يستطع سعيد تمالك نفسه، فضحك مجددًا وأخفى وجهه خلف كتابه.
في الفسحة، جرب النظارة على أصدقائه. رأى زميله عماد وقد تحول إلى روبوت يتحدث بلغة البرمجة:
"010101... من يريد كعكة؟"
ورأى المديرة تجلس على كرسي عرش وهي تأمر الطيور بتوزيع كتب الرياضيات على الطلاب.
ركض سعيد بين الساحة وهو يقول:
"هذه النظارة كنز لا يقدّر بثمن!"
لكن بينما كان يضحك ويستمتع، بدأ يلاحظ شيئًا غريبًا...
كلما استخدم النظارة أكثر، أصبح من الصعب عليه التفرقة بين الواقع والخيال. ذات لحظة، أراد شرب الماء من النافورة، فرأى التنين يحرسها!
تراجع خائفًا، قبل أن يدرك أنه تحت تأثير النظارة.
خلعها بسرعة، وقال لنفسه:
"مهلًا... هذه النظارة مضحكة، لكنها أيضًا خطيرة!"
ثم ابتسم بخبث وأضاف:
"لكن ذلك لن يمنعني من الاستمتاع بها... على الأقل قليلاً بعد!"
الجزء الرابع: المقلب العجيب
بعد أن قضى يومًا مشوّقًا في المدرسة، عاد سعيد إلى منزله وهو يضحك كلما تذكر ما رأى عبر النظارة. وقبل أن يخلع حذاءه، سمع صوت جدته ينادي:
"تعال يا سعيد، لقد خبزتُ كعكة التفاح التي تحبها!"
طار سعيد من الفرح، وركض إلى المطبخ... لكنه لم ينسَ نظارته السحرية هذه المرة.
قال في نفسه:
"لنرى كيف تبدو جدتي بنسخة النظارة!"
وما إن وضعها على عينيه، حتى بدأ المطبخ يتحول أمامه...
كانت جدته ترتدي قبعة طاهٍ عملاقة، والمطبخ قد امتلأ بأوانٍ تطير وحدها، وقطع التفاح ترقص في الهواء وتلقي بنفسها داخل وعاء الخلط، بينما الفرن يغني!
ضحك سعيد وقال:
"جدتي! هل دخلتِ في مسابقة للطهي الطائر؟"
نظرت إليه الجدة باستغراب:
"أي طهي طائر يا ولد؟ هذه كعكة عادية جدًا... جربها!"
أخذ سعيد قطعة، لكنها عبر النظارة كانت تلمع وكأنها كنز سحري، وما إن تذوقها حتى سمع صوتًا موسيقيًا في رأسه، وكأن الكعكة كانت تغني أغنية التفاح السعيد!
لكنه لم يتوقف عند هذا الحد...
في المساء، قرر تنفيذ أول مقلب سحري باستخدام النظارة.
ذهب إلى غرفة أخته الصغيرة "هالة"، وطلب منها أن تريه لعبتها المفضلة.
وضع النظارة بسرعة، وفجأة رأى اللعبة ـ وهي دمية دب صغيرة ـ تتحرك وتقول له بصوت طفولي:
"مرحبًا سعيد! هل تريد اللعب معنا؟ نحن نخطط لاحتلال بيت الجدة بالكعك!"
شهق سعيد وصرخ ضاحكًا:
"غزو كعكي؟! يا لها من خطة خطيرة!"
ثم نزع النظارة ونظر إلى الدمية، فإذا هي صامتة تمامًا.
ضحكت هالة وقالت:
"ما بك يا سعيد؟ هل أصبحت ترى أشياء غريبة؟"
أجابها بمكر:
"ربما... وربما لا... من يدري؟"
وفي الليل، قبل أن ينام، ارتدى النظارة للمرة الأخيرة ذلك اليوم. نظر في المرآة، فرأى نفسه يرتدي بدلة بطل خارق، ومكتوب على صدره بحروف كبيرة:
"سوبر سعيد... سيد المقالب والضحك!"
ضحك بصوت عالٍ حتى سمعه والده من الغرفة المجاورة فقال:
"نم الآن يا سعيد، غدًا مدرسة!"
رد سعيد من تحت الغطاء:
"حتى الأبطال الخارقين يحتاجون إلى نوم جيد!"
ثم خلع النظارة، وأغمض عينيه، وابتسم... فقد كان يعلم أن يوم غد يحمل المزيد من المرح والسحر والمقالب!
الجزء الخامس: كشف السر
في صباح اليوم التالي، استيقظ سعيد وهو لا يزال يفكر في المقالب التي صنعتها له النظارة السحرية. جلس على حافة سريره وهو يتأملها، وقال لنفسه:
"لا بد أن أعرف الحقيقة... هل هذه النظارة حقًا سحرية؟ أم أنني أتخيل كل شيء؟"
حمل النظارة في حقيبته وتوجّه إلى بيت صديقه المقرّب "حسن"، الذي كان يحب المغامرات والاختراعات، لكنه أيضًا لم يكن يصدق الخرافات.
استقبله حسن بابتسامة وقال:
"ما الذي جاء بك مبكرًا هكذا؟ هل أحضرت شيئًا جديدًا من السوق؟"
أخرج سعيد النظارة من حقيبته ووضعها على الطاولة بينهما. نظر إليها حسن بدهشة وقال:
"ما هذه؟ نظارة قديمة؟"
قال سعيد بصوت خافت وكأنه يروي سرًا خطيرًا:
"إنها ليست عادية يا حسن… عندما ترتديها ترى العالم بطريقة مختلفة تمامًا! الناس، الحيوانات، وحتى الأشياء… كلها تتغير!"
ضحك حسن وقال:
"هل تقول إنك أصبحت ترى الأشجار ترقص والقطط تغني؟"
قال سعيد بجدية:
"تقريبًا! ارتدِها وجرب بنفسك."
وبحذر، وضع حسن النظارة على عينيه... ثم فجأة صرخ ضاحكًا:
"سعيد!! أراك الآن مثل دجاجة ترتدي قبعة كبيرة وتغني أغنية العيد!!"
انفجر الاثنان في نوبة من الضحك، حتى سالت دموعهما.
خلع حسن النظارة وهو يقول:
"يا رجل، هذه النظارة مجنونة! هل هي حقيقية؟ أم أنها... مجرد لعبة خيالية؟"
جلسا معًا يفكران.
قال سعيد بعد لحظة صمت:
"ربما السحر ليس فيها فعلاً... ربما هي تفتح لنا باب الخيال، وتُظهر لنا كيف يمكن أن نرى العالم من منظور مختلف."
ردّ حسن مبتسمًا:
"يعني بدل أن نرى الجدّية والملل، نرى المرح والضحك؟"
أومأ سعيد وقال:
"بالضبط! هي لا تغيّر العالم من حولنا، بل تغيّر كيف نراه."
ثم نظر كلاهما إلى النظارة بصمت، كأنهما ينظران إلى صديق قديم كان يخفي سره لوقت طويل.
في تلك اللحظة، أدرك سعيد أن "السحر الحقيقي" لم يكن في الزجاج الملون للنظارة، بل في عينيه، وفي مخيلته، وفي قدرته على أن يجعل من الحياة لوحة مليئة بالبهجة... إذا نظر إليها بالطريقة الصحيحة.
الجزء السادس: المهمة المستحيلة
قرر سعيد وحسن استخدام النظارة لاكتشاف سرها. ذهبا إلى السوق بحثًا عن البائع العجوز، لكنه اختفى! تجولا في المكان حتى وجدوا لافتة صغيرة مكتوب عليها: "السحر هو في مخيلتك، ليس في النظارة!"
نظر الصديقان إلى بعضهما وقالا في نفس الوقت: "لقد وقعنا في فخ الخيال!"
الجزء السابع: هل انتهى السحر؟
قرر سعيد التخلص من النظارة، لكنه فكر في شيء أخير… ماذا لو استخدمها ليجعل يومه أكثر مرحًا؟ ارتداها مجددًا، وهذه المرة رأى نفسه كملك يجلس على عرش مصنوع من البيتزا!
ضحك وقال: "ربما السحر ليس حقيقيًا، لكن الضحك لا يُقدَّر بثمن!"
الجزء الثامن: النهاية السعيدة
في النهاية، احتفظ سعيد بالنظارة، ليس لأنها سحرية، ولكن لأنها كانت تذكره بأن الحياة تصبح أكثر متعة عندما ننظر إليها بطريقة مختلفة. ومنذ ذلك اليوم، قرر أن يكون سعيدًا، حتى بدون النظارة السحرية!