في قديم الزمان، في قرية صغيرة تحيط بها التلال والحقول الخضراء، عاش ثلاثة أصدقاء منذ الطفولة. كانوا مختلفين في طباعهم لكنهم ارتبطوا برباط الصداقة القوي. الأول كان يُدعى خالد، وكان معروفًا بكرمه الواسع وسخائه الذي لا حدود له. كان يعطي دون تردد، يساعد المحتاجين، ويفتح بيته للغرباء. الثاني كان يُدعى سامي، وكان شديد البخل، لا ينفق قرشًا إلا بعد تفكير طويل، ودائمًا يبحث عن طرق لتوفير المال حتى لو كان ذلك على حساب الآخرين. أما الثالث فكان يُدعى يوسف، وكان حكيمًا متزنًا، لا يميل إلى الإسراف ولا إلى البخل، بل كان يُعرف برجاحة عقله ونظرته العميقة للأمور.
كبر الأصدقاء الثلاثة معًا، وفي أحد الأيام قرروا القيام برحلة إلى قرية بعيدة لاستكشاف العالم خارج قريتهم الصغيرة. بدأوا استعداداتهم للسفر، فقام خالد بجلب مؤونة وفيرة من الطعام والشراب، ولم ينسَ أن يأخذ بعض الهدايا ليقدمها للناس الذين قد يقابلهم. أما سامي، فقد حمل معه كيسًا صغيرًا من الطعام بالكاد يكفيه، وكان يرفض أن يضيف شيئًا عليه. أما يوسف فحمل ما يكفيه دون زيادة أو نقصان، مع بعض المال للطوارئ.
في طريقهم، مروا بغابة كثيفة الأشجار، وبعد ساعات من المشي شعروا بالتعب والجوع. فتح خالد حقيبته وأخرج الطعام وبدأ بتوزيعه بسخاء، فشكره يوسف وأكل معه، أما سامي فتظاهر بعدم الجوع ولم يخرج شيئًا من طعامه، مفضلاً أن يأكل من زاد خالد دون أن يشارك بشيء.
في الليل، وجدوا كوخًا مهجورًا فقرروا المبيت فيه. أثناء جلوسهم حول النار، سمعوا صوت خطوات تقترب، وإذا برجل مسن بثياب ممزقة يطلب منهم بعض الطعام والماء. بادر خالد بإعطائه بعض الطعام وغطاءً ليتدفأ. أما سامي، فاعترض قائلاً: "نحن في رحلة طويلة ولا نعرف ما قد نواجهه، علينا أن نوفر طعامنا لأنفسنا". لكن يوسف تدخل قائلاً: "الكرم لا يعني الإسراف، والبخل لا يعني الحكمة. إعطاء القليل لن يؤذينا، لكنه قد ينقذ هذا الرجل من الجوع والبرد". شعر سامي بالخجل لكنه لم يُظهر ذلك، بينما ابتسم الرجل العجوز ودعا لهم قبل أن يرحل.
واصل الأصدقاء رحلتهم حتى وصلوا إلى قرية بعيدة، وهناك وجدوا مهرجانًا كبيرًا. أراد خالد أن يشارك الناس فرحتهم، فاشترى لهم الحلوى وأعطاها للأطفال. أما سامي، فظل يحسب كل قرش ينفقه، ولم يشترِ حتى لنفسه شيئًا. بينما يوسف كان يراقب ما يحدث، فرأى كيف أن الناس أحبت خالد وسعدت بكرمه، وكيف أن سامي كان منعزلاً وكأنه غريب عن المكان.
بعد انتهاء المهرجان، التقوا برجل غني يبحث عن مساعدين لإدارة تجارته. قرر أن يختبرهم، فأعطى كل واحد منهم مبلغًا صغيرًا من المال وطلب منهم أن يستثمروه ليعودوا إليه بعد أسبوع. بدأ خالد باستخدام المال لمساعدة الناس، فقام بشراء الطعام للفقراء مقابل خدماتهم، مما جعله يربح أكثر مما بدأ به. أما سامي، فقد احتفظ بالمال في جيبه، ولم يستخدمه في شيء، معتقدًا أن عدم المخاطرة هو أفضل استثمار. أما يوسف، فقد استثمر المال في شراء بعض السلع الرخيصة وباعها بربح معقول.
بعد مرور الأسبوع، عادوا إلى الرجل الغني وأخبروه بما فعلوه. أعجب الرجل بحكمة يوسف وأمانته، وأُعجب بسخاء خالد الذي حوّل المال إلى شيء نافع للناس. أما سامي، فقد فشل في استثمار المال وظل متمسكًا بموقفه البخيل. فقال لهم الرجل: "الحياة ليست مجرد جمع للمال أو إنفاقه بلا حساب. التوازن هو مفتاح النجاح، والكرم يجب أن يكون بحكمة، كما أن الادخار يجب ألا يتحول إلى بخل يمنع الإنسان من العيش والاستمتاع بالحياة".
عاد الأصدقاء إلى قريتهم، وقد تعلم كل منهم درسًا مهمًا. فهم خالد أن الكرم يجب أن يكون مدروسًا، وليس مجرد عطاء بلا حساب. وأدرك سامي أن البخل يجعله يخسر أكثر مما يوفر، لأن المال بلا فائدة يصبح بلا قيمة. أما يوسف، فقد ظل كما هو، يحافظ على حكمته التي جعلته صديقًا محبوبًا ومستشارًا موثوقًا به.
وهكذا استمرت صداقتهم، لكن كل واحد منهم أصبح أكثر وعيًا بقيمته وبما يمكن أن يتعلمه من الآخر، ليعيشوا حياة أكثر اتزانًا وسعادة.