قصة عن فضل الصدقة في سبيل الله


  
  في بلدة صغيرة هادئة، كان يعيش رجل يُدعى إبراهيم. كان رجلاً بسيطًا لكنه اشتهر بين أهل قريته بحبه للعطاء والكرم. لم يكن من الأثرياء، لكنه كان يؤمن بأن المال لا يُقاس بكثرته، بل ببركته وبالخير الذي يزرعه في قلوب الآخرين.

    ذات يوم، بينما كان إبراهيم يسير في السوق، لاحظ امرأة عجوزًا تجلس على قارعة الطريق، تتوسل لقوت يومها. كانت نظراتها تحمل الكثير من الألم والتعب، وكأنها تحمل على كتفيها أعباء الدنيا. اقترب منها وسألها عن حالها، فأخبرته أنها بلا مأوى ولا عائلة، تعيش على ما يجود به الناس عليها. شعر إبراهيم بغصة في قلبه ومدّ يده إلى جيبه ليجد فيه دراهم معدودة، لكنه لم يتردد في إعطائها كلها. ابتسمت العجوز ودعت له دعوة خالصة من القلب، شعر إبراهيم بسعادة غامرة لم يكن ليشعر بها حتى لو ربح مال الدنيا بأكملها.

   في الليلة ذاتها، عاد إبراهيم إلى بيته متأملاً في أثر الصدقة. كان يعيش يومه بالكاد، لكنه لم يشعر يومًا بالنقص. لطالما سمع عن حديث النبي صلى الله عليه وسلم: "ما نقص مال من صدقة"، لكنه في تلك الليلة أيقن أن العطاء يجلب البركة بطريقة لا يدركها إلا من جربها.

    في الأيام التالية، بدأ إبراهيم بمساعدة الفقراء كلما سنحت له الفرصة. لم يكن لديه الكثير ليعطيه، لكنه كان يعطي مما يملك بقلب راضٍ. ذات مساء، بينما كان يسير في أحد الأحياء الفقيرة، سمع صوت بكاء طفل صغير. اقترب ليجد صبيًا صغيرًا يجلس على عتبة منزل متهالك، يبكي جوعًا. لم يتردد إبراهيم لحظة، فخلع معطفه وأعطى الطفل بعض الطعام الذي كان يحمله. لم تكن كمية كبيرة، لكنها كانت كافية لرسم الابتسامة على وجه الصغير.

   مرت الأيام، وجاءت على إبراهيم لحظة ضيق شديد. لم يكن يملك إلا القليل من المال بالكاد يكفيه ليومه. في تلك اللحظة، وسوس له الشيطان بأن يحتفظ بما لديه، لكنه قاوم ذلك الخاطر، وتذكر وعد الله بأن "وما أنفقتم من شيء فهو يُخلفه وهو خير الرازقين". فذهب إلى المسجد ووضع ما تبقى لديه في صندوق الصدقات، متيقنًا بأن الله لن يخذله.

   في اليوم التالي، وبينما كان جالسًا في متجره الصغير، دخل عليه رجل أنيق المظهر، وأخبره أنه رجل أعمال يبحث عن شخص أمين لإدارة مشروعه الجديد. سأل عنه أهل القرية، فشهدوا له بالصدق والأمانة. لم يصدق إبراهيم ما يسمعه، فقد كان هذا العرض فرصة ذهبية لم يكن يحلم بها! في غضون أيام، تبدل حاله من الضيق إلى السعة، ومن الحاجة إلى الغنى، وكل ذلك كان بسبب بركة الصدقة التي أعطاها وهو لا يملك إلا القليل.

    ظل إبراهيم على نهجه، لم يغيره المال، بل زاد إيمانه بعظمة العطاء. أصبح ينفق في سبيل الله أكثر من أي وقت مضى، لا ينتظر المقابل من أحد، بل يبتغي وجه الله وحده. وذات يوم، بينما كان جالسًا في مجلس أحد المشايخ، سمع حديثًا أثر في قلبه: "الصدقة تطفئ غضب الرب، وتدفع ميتة السوء". شعر بقوة هذا الحديث في حياته، فقد رأى كيف أنفق من ماله، فرده الله إليه أضعافًا مضاعفة، وكيف أن الله دفع عنه الكثير من المصائب بفضل عطائه.

   في إحدى الليالي، عاد إبراهيم إلى بيته ليجد رسالة غامضة موضوعة عند باب منزله. فتحها ليجد فيها دعوة إلى قصر رجل ثري في المدينة المجاورة. لم يكن يعرف السبب، لكنه قرر الذهاب. وعندما وصل، استقبله رجل مسنّ بفرح غامر. تبين أن هذا الرجل كان والد الطفل الذي ساعده إبراهيم منذ سنوات! كان قد بحث عنه طويلًا ليكافئه على كرمه. ولم يكتفِ بذلك، بل قدم له عرضًا للعمل في أحد مشاريعه الكبرى، مكافأةً لما قدمه من خير دون انتظار مقابل.

   وهكذا، استمر إبراهيم في مسيرته، لا يتوقف عن العطاء، ولا يخشى الفقر، لأنه أدرك سرًا عظيمًا: الصدقة باب من أبواب البركة، يفتح للإنسان أبواب الخير التي لم يكن يحلم بها.

تعليقات